للحصول على تأشيرة : أمريكا تطلع على حساباتك .. حتى المحذوفة
في السنوات الأخيرة، أصبحت الولايات المتحدة أكثر تشدداً في سياسات الهجرة والدخول، خصوصاً مع التنامي العالمي لتهديدات الأمن الرقمي وتضخم دور شبكات التواصل الاجتماعي في التعبير عن المواقف والأفكار و اصطفافها الأعمى إلى جانب الكيان الإسرائيلي .
و منذ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية التي توفر له غطاء عسكريا و ديبلوماسيا حتى يواصل في ارتكاب جرائمه و تُجرم كل من يتعاطف مع المقاومة الفلسطينية أو أي جماعات أو منظمات تهدد وجود الكيان الصهيوني , برزت سياسة جديدة تقوم على طلب بيانات حسابات التواصل الاجتماعي من طالبي التأشيرة، وعلى توسيع هذا الإجراء ليشمل حتى بعض المسافرين القادمين من دول معفية من التأشيرة.
هذا التطور أثار نقاشاً واسعاً حول الخصوصية، وحدود ما يمكن أن تطّلع عليه السلطات الأمريكية من محتوى رقمي، بما في ذلك المنشورات المحذوفة.
الإطلاع على حسابات مواقع التواصل الاجتماعي
فرضت وزارة الخارجية الأمريكية خلال السنوات الأخيرة مطلباً جديداً يرافق أغلب طلبات التأشيرة، يتمثل في تقديم أسماء الحسابات المستخدمة على مواقع التواصل الاجتماعي خلال السنوات الخمس السابقة. يشمل ذلك منصات مثل فيسبوك وتويتر وإنستاغرام وتيك توك وسنابشات وغيرها.
يتم إدراج هذه المعطيات داخل استمارة التأشيرة المعروفة بـ DS-160 للتأشيرات العادية أو DS-260 للهجرة وهي خطوة تهدف – وفقاً للتصريحات الرسمية – إلى “تعزيز تقييم المخاطر الأمنية”. بمعنى آخر، لم يعد محتوى ملف طالب التأشيرة يقتصر على بياناته البيومترية وسجله المهني والسفري، بل أصبح يشمل أيضاً آراءه، منشوراته، أسلوب تواصله، وحتى الأشخاص الذين يتابعهم ويتواصل معهم.
وإن كان تقديم كلمة السر غير مطلوب قانونياً، إلا أنّ السلطات تعتبر أن الاطلاع على الحسابات العلنية والمعلومات المرتبطة بها يمكّنها من تكوين صورة شاملة عن “السلوك الافتراضي” للفرد. وقد أكد مسؤولون أن تجاهل هذا المطلب أو تقديم معلومات غير دقيقة قد يؤدي إلى رفض فوري لطلب التأشيرة.
المسافرون المعفيون من التأشيرة يخضعون أيضا للرقابة
عدد الدول المشمولة ببرنامج الإعفاء من التأشيرة Visa Waiver Program يقدر بحوالي 40 دولة من بينها المملكة المتحدة و إيطاليا و ألمانيا و اليابان و أستراليا و كوريا الجنوبية و فرنسا و يمكن لمواطنيها دخول الولايات المتحدة للسياحة أو الأعمال لمدة تصل إلى 90يومًا دون تأشيرة مسبقة عبر ESTA شريطة استيفاء شروط البرنامج.
و في النسخ الأحدث من استمارة ESTA، أضيفت أسئلة تطلب من المسافر الكشف عن حساباته على الشبكات الاجتماعية للخمس سنوات الفارطة حيث أصبح الفحص الأمني الموسّع جزءاً من الإجراءات، خصوصاً عند وجود إشارات تستوجب التحقق على غرار :
· سفر سابق إلى مناطق نزاع
· تصريحات عامة مثيرة للجدل
· روابط مع حسابات تعتبرها الولايات المتحدة خطرة
· أو نشاط غير مفهوم على المنصات الرقمية
وبذلك، أصبحت عملية الدخول حتى للمعفيين من التأشيرة خاضعة لمعيار جديد وهو السلوك الرقمي، إلى جانب السلوك الواقعي.
هل يمكن للسلطات الأمريكية الوصول إلى المنشورات المحذوفة؟
إذا أقدم أحدهم على حذف منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي لأنها تهدد حصوله على التأشيرة فهل تستطيع الولايات المتحدة الاطلاع على المنشورات التي حذفها من حسابه؟
في حال وجود شبهات أو ضرورة لإجراء تدقيق، تستطيع السلطات الأمريكية إصدار أوامر قانونية لشركات مواقع التواصل الاجتماعي للحصول على معلومات إضافية، ومن ضمنها محتوى محذوف وحتى بيانات المواقع الجغرافية إذ تملك الولايات المتحدة صلاحيات قانونية واسعة لجمع البيانات في التحقيقات الأمنية
المنصات تحتفظ بالسجلات لفترات طويلة
عندما يحذف المستخدم منشوراً من فيسبوك أو إنستغرام مثلاً، قد يختفي من الواجهة، لكنه غالباً يبقى محفوظاً داخل قواعد البيانات أو النسخ الاحتياطية لفترة تقنية يمكن أن تمتد شهوراً أو سنوات. وهذه البيانات يمكن، من حيث المبدأ، الوصول إليها عبر طلب رسمي موجّه من السلطات إلى المنصة .
ليست كل حالة تستدعي الوصول إلى محتوى محذوف
لا تقوم السلطات الأمريكية بطلب الاطلاع على المحتويات المحذوفة بشكل آلي بل في حالات استثنائية تتعلق بالأمن القومي، أو عند وجود تناقض واضح بين ما يقدمه المسافر والبيانات المتاحة علناً.
و تكشف هذه الإجراءات الجديدة عن تحوّل عميق في ممارسات مراقبة الحدود عالمياً. فالحدود لم تعد تلك الخط الفاصل بين دولتين، بل امتدت لتشمل المجال الرقمي الذي يصنع فيه الإنسان جزءاً كبيراً من هويته اليوم.